Tuesday, May 3, 2016

من مراسلات العلماء

من مُراسلاتِ العُلماء
*****************
هل على السالك إلى الله تعالى أن يتخذ -لزاماً- شيخ طريقة وتربية يسلك على يديه؟
أم يسوغ له أن يكون سلوكه إلى الله تعالى من طريق التعلم والتلقي من أهل العلم.. دون أن يكون له شيخ طريقة؟
***
يقول العلامة د. عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى:
" كَتَبَ الإمام الفقيه الأصولي المحدث النَّظَّار..
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي الغرناطي
صاحب كتاب الموافقات والاعتصام وغيرهما من الكتب النفيسة الباهرة،
المتوفى سنة 790هـ، من غرناطة قاعدة الأندلس،
إلى شيخ الصوفية في عصره..
أبي عبد الله محمد بن عَبَّاد النَّفْزِي، خطيب جامع القرويين في مدينة فاس،
المتوفى سنة 792هـ
رحمهما الله تعالى
كَتَبَ إليه يسأله عن مسألة وقعت في غرناطة..
و ( اختلفت ) فيها أنظار العلماء، وكثر فيها القيل والقال !
وهي :
هل على السالك إلى الله تعالى أن يتخذ -لزاماً- شيخ طريقة وتربية يسلك على يديه ؟
أم يسوغ له أن يكون سلوكه إلى الله تعالى من طريق التعلم والتلقي من أهل العلم..
دون أن يكون له شيخ طريقه ؟
***
فكَتَب إليه الشيخ ابن عَبَّاد رحمه الله تعالى كتابةَ العالم المنصف المخلص..
فقال له ما خلاصته..
كما في كتابه الرسائل الصغرى ( ص 106 ، وما بعدها، وص 125 وما بعده :
[ الشيخ المرجوع إليه في ( السلوك ) ينقسم إلى قسمين:
شيخ تعليم وتربية
وشيخ تعليم بلا تربية
فشيخ التربية ليس بضروري لكل سالك..
وإنَّما يحتاج إليه من فيه بَلادة ذهنٍ واستعصاءُ نَفْس
وأمَّا من كان وافر العقل مُنقاد النَّفْس..
فليس بلازم في حقه ! وتَقَيُّدُه به من باب الأولى
وأما شيخ التعليم فهو لازم لكل سالك !
أما كون شيخ التربية لازم لمن ذكرناه من السالكين.. فظاهرٌ
لأنَّ حُجُب أنفسهم كثيفة جداً، ولا يَستقلُ برفعها وإماطتها إلا الشيخ المربي
وهم بمنزلة من به علل مزمنة وأدواء معضلة من مرض الأبدان؛
فإنَّهم لا محالة يَحتاجون إلى طبيب ماهر يعالج عِلَلَهم بالأدوية القاهرة
وأما عدم لزوم الشيخ المربي..
لمن كان وافر العقل مُنقاد النفس
فلأنَّ وفور عقله وانقياد نفسه.. يغنيانه عنه
فيستقيم له من العمل بما يُلقيه إليه شيخ التعليم ما لا يستقيم لغيره،
وهو ( واصل ) بإذن الله تعالى
ولا يُخاف عليه ضرر يقع له في طريق السلوك..
إذا قصده من وجهه وأتاه من بابه.
***
واعتماد شيخ التربية هو طريق الأئمة ( المتاخرين ) من الصوفية..
واعتماد شيخ التعليم هو طريق ( الأوائل ) منهم، ويظهر هذا من كتب كثير من مصنفيهم، كالحارث المحاسبي وأبي طالب المكي وغيرهما من قِبَلِ أنَّهم لم يَنُصُّوا على شيخ التربية في كتبهم على الوجه الذي ذكره أئمة المتاخرين، مع أنهم ذكروا أصول علوم القوم وفروعها، وسوابقها ولواحقها، ولا سيما الشيخ أبو طالب،
فعدم ذكرهم له دليل على عدم شرطيته ولزومِه في طريق السلوك !
وهذه هي الطريقة السابلة -أي المسلوكة- التي انتهجها أكثر السالكين..
وهي أشبه بحال ( السلف الأقدمين )..
إذ لم يُنقل عنهم أنهم اتخذوا شيوخ التربية، وتقيَّدوا بهم، والتزموا معهم ما يلتزمه التلامذة مع الشيوخ المربين
وإنَّما كان حالهم اقتباس العلوم واستصلاح الأحوال.. بطريق الصحبة والمؤاخاة بعضهم لبعض، ويحصل لهم بسبب التلاقي والتزاور مزيد عظيم، يجدون أثره في بواطنهم وظواهرهم؛ ولذلك جالوا في البلاد وقصدوا إلى لقاء الأولياء والعلماء والعباد
***
وأمَّا كتب أهل التصوف..
فهي راجعة إلى شيخ التعليم؛ لأن الاستفادة منها لا تصح إلا باعتقاد الناظر فيها أن مؤلفها من أهل العلم والمعرفة وممن يصح الاقتداء به، ولا يحصل هذا الاعتقاد إلا من قبل شيخ معتمد عليه عنده، أو من ( طريق ) يثق به !
فإنْ كان ما يستفيده منها بيّنا موافقًا لظاهر الشرع موافقةً بينة اكتفى بذلك..
وإلا فلابد له من مراجعة شيخ ـ أي من شيوخ التعليم ـ يبينه له ؛ فالشيخ لابد منه ] ا.هـ"
هذا النص..
من تعليقات د. عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى
على رسالة المسترشدين للإمام الحارث المحاسبي رحمه الله ص 39-41
***
ولمَّا راجعت كتاب الشيخ ابن عبَّاد رحمه الله..
"الرسائل الصغرى" ص 93.. وجدته يقول بعدها:
[والظاهر أنَّ شيخ التربية في هذه الأزمنة ( مُتعذرٌ ! ) وجوده
وأعزُّ من الكبريت الأحمر..
بل وكذلك أيضا شيخ التعليم !!
لأنَّ كثيرا مِمَّن يُشار إليه ويعتمد عليه من المنتسبين إلى هذا الطريق..
لم يتصور معنى التصوف..ولم يعثر له على حقيقة
فضلا.. عما وراء ذلك
ولا أدري أي المصيبتين أعظم:
فَقْدُ الشيخ المتحقق أو عدم التلميذ الصادق !!
فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون ]
قلت:
إذا كان هذا هو الحال في عصر هذا الإمام..
فكيف يكون الحال في عصرنا ؟!!
وإنا لله وإنا إليه راجعون
***
هذا نَصٌ عظيم..
أحكامه مُعللة وأدلته ظاهرة
فاحرص عليه.. يا أخي الحبيب
والله ينفعنا وإياك

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.