Friday, October 6, 2017

براءة الشيخ محيي الدين بن عربي مما نُسِبَ إليه

براءة الشيخ محيي الدين بن عربي مما نُسِبَ إليه
****************************************
الحمد لله حمد المعتصمين بحبله ، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد
فإن الشيخ محي الدين ابن عربي قدس الله سره العزيز من أكابر العارفين بالله المتمسكين بالسنة الشريفة ، ومن العلماء العاملين ومن المسنِدين المعتَدِّ بهم عند حفاظ عصره ، وقد شهد له كل العلماء والأولياء الصالحين من وقته إلى هذا الزمان بالولاية والمعرفة الذوقية الصافية في علوم القوم رضي الله عنهم ، ترجمه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان وذكر أنه اعتد به حفاظ عصره كابن النجار .
.
وقد كثر اللغط حول الشيخ محي الدين بسبب ما أشيع عنه من القول بالوحدة المطلقة أو الحلول ، والحق أنه بريء من هاتين العقيدتين الخبيثتين كما سيأتي .
وعقيدة الوحدة المطلقة وعقيدة الحلول هدامتان للدين مخرجتان عن الملة باتفاق الأمة ، فالأولى هي القول بأن كل هذا العالم بما فيه هو أجزاء من الله والعياذ بالله ، حتى أن أحدهم يقول أنا الله وأنت الله ، والثانية هي القول بأن الله يحل في قلوب وأجساد عباده والعياذ بالله .
والعقيدتان كفريتان ، وأكثر من تصدى للرد على هاتين الطائفتين هم الطائفة المنصورة الرفاعية من المتصوفة .
.
كثير من علماء الصوفية كالشيخ الكبير محيي الدين بن عربي قدس سره وكذا الإمام الشعراني والحلاج وغيرهم رضي الله عنهم قد دُس في كتبهم كلام فيه زندقة واضحة وهناك شيوخ كرام قاموا بتمييز الكذب المدسوس عليهم وخاصة محيي الدين بن عربي رحمه الله.
.
وقد دُسَّ في كتاب الشيخ محي الدين ابن عربي ما يوافق هاتين العقيدتين وهو بريء منهما كما بين ذلك رضي الله عنه بقوله في الفتوحات:"ما قال بالإتحاد إلا أهل الإلحاد ومن قال بالحلول فدينه معلول "
.
فبعد هاتين العبارتين الصريحتين في إبطال عقيدة الوحدة المطلقة وعقيدة الحلول، لا يجوز أن يُصدّق على الشيخ محيي الدين ما في بعض المواضع الأخرى من هذا النوع.
.
إن الشيخ محي الدين ابن عربي أثبت عقيدته في الجزء الأول من كتابه الفتوحات المكيه صحيفة 36 ( طبعة دار الكتب العربية الكبرى ) وفي هذه العقيده أثبت للجميع انه لا يقول بالإتحاد ولا بالحلول ونزه الله تنزيه العارفين بالله الموحدين القائمين بحدود الله
.
وقد ذكر العديد من العلماء أن ما نقل عن الشيخ محي الدين مما يخالف العقيدة الإسلامية فهو من الدسائس
.
ومنهم الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتاب لطائف المنن ( لطائف المنن والأخلاق ص 390 - 394 ) يقول :" وليُحذر من مطالعة كتب الشيخ محي الدين بن عربي لعلوّ مراقيها ولما فيها من الكلام المدسوس على الشيخ لا سيما الفصوص ( فصوص الحِكم ) والفتوحات المكية فقد أخبرني الشيخ أبو طاهر المغربي نزيل مكة عن شيخه عن الشيخ بدر الدين بن جماعة أنه كان يقول : " جميع ما في كتب الشيخ محي الدين من الأمور المخالفة لكلام العلماء فهو مدسوس عليه ، وكذلك كان يقول الشيخ مجد الدين صاحب القاموس في اللغة"
.
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني : وقد اختصرت الفتوحات المكية وحذفت منها كل ما يُخالف ظاهر الشريعة وردَّ علي الشيخ شمس الدين المدني بنسخة الفتوحات التي قابلها على خط المؤلف بقونية (قونية: هي مدينة تركية) فلم أجد شيئاً من ذلك الذي حذفته ( أي من القول بالحلول أو الوحدة ) ففرحت بذلك غاية الفرح ولله الحمد .
.
وقد قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه "لطائف المنن والأخلاق" مما يؤيد ما ذكرنا ما نصّه: "وقد نقل الشيخ محيي الدين بن عربي في الفتوحات المكية إجماع المحققين على أن من شرط الكامل أن لا يكون عنده شطح عن ظاهر الشريعة أبدا بل يرى أن من الواجب عليه أن يُحِقَ الحق ويبطل الباطل، ويعمل على الخروج من خلاف العلماء ما أمكن. انتهى.
.
هذا لفظه بحروفه ومن تأمله وفهمه عرف أن جميع المواضع التي فيها شطحٌ في كتبه مدسوسة عليه لا سيما كتاب "الفتوحات المكية" فإنه وضعه حال كماله بيقين، وقد فرغَ منه قبيل موته بنحو ثلاث سنين، وبقرينة ما قاله في "الفتوحات المكية" في مواضع كثيرة من أن الشطح كله رعونة نفس لا يصدر قط من محقق، وبقرينة قوله أيضا في مواضع: من أراد أن لا يضلّ فلا يرم ميزان الشريعة من يده طرفة عين بل يستصحبها ليلا ونهارا عند كل قول وفعل واعتقاد. انتهى"
.
إنتهى كلام الشعراني
.
وأمّا الشيخ محيّ الدين بن عربي رضي الله عنه فاعتقادنا فيه أنه من العلماء الصالحين والصوفية الصادقين الزاهدين، ترجمه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان( لسان الميزان (5/353) )، وذكر أنه اعتدّ به حُفّاظ عصره كابن النجار.
.
وقد ذكر العلامة ابن عابدين الفقيه الحنفي وصاحب أكبر موسوعة في الفقه الحنفي :(أن الراجح عنده بالنسبة لما ورد في كتب الشيخ محيي الدين بن عربي مما يخالف الشرع بأنه مفترى عليه ولذلك تجد نص عبارة صاحب الدر المختار ج 3 ص 303 : ولكن الذي تيقنته أن بعض اليهود افتراها علي الشيخ قدس الله سره) .
.
ويتجلى قول العالم الجليل الفاضل الإمام السيوطي رحمه الله تعالى : ( إن التصوف في نفسه علم شريف وإن مداره على أتباع السنة وترك البدع وعلمت أيضاً أنه قد كثر الدخيل فيه من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم فأدخلوا فيه ما ليس منه فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع ) . كتاب تأييد الحقيقة العلية للسيوطي ص 57.
.
فراحوا يحرفون في هذا العلم ويغيرون في قواعده ويدسون في كتب القوم ما يناسب أهوائهم وحتى يجدون ما يستدلون به على أفعالهم وسوء أحوالهم ويبررون مخالفاتهم للكتاب والسنة ، فوضعوا الدسائس في كتب القوم ومن أكثر الذين دس في كتبه من العلماء هو الأمام الشعراني رحمه الله الذي كرس علمه وكتبة لمحاربة هؤلاء الأدعياء ولما صار لهم عقبة وعليهم نقمة دسوا في كتبة وأدخلوا فيها ما خالف الشرع
.
يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه لطائف المنن : (ومما منَّ الله تبارك وتعالى به علي صبري على الحسدة والأعداء لما دسوا في كتبي كلاما يخالف ظاهر الشريعة وذلك لما صنفت كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود وكتب عليها علماء المذاهب الأربعة بمصر وتسارع الناس لكتابته فكتبوا منة نحو أربعين نسخة غار من ذلك الحسدة فاحتالوا على بعض المغفلين من أصحابي واستعاروا منة نسخته وكتبوا لهم منها بعض كراريس ودسوا فيها عقائد زائفة ومسائل خارقة لإجماع المسلمين وحكايات وسخريات عن جحا وابن الرواندي وسبكوا في ذلك غضون الكتاب في مواضيع كثيرة حتى كأنهم المؤلف ثم اخذوا تلك الكراريس وأرسلوها إلى سوق الكتب في يوم السوق وهو مجمع طلبة العلم فنظروا في تلك الكراريس ورأوا اسمي عليها فاشتراها من لا يخشى الله تعالى ثم دار بها على علماء الجامع الأزهر فأوقع ذلك فتنة كبيرة ومكث النادي يدورون في المساجد والأسواق وبيوت الأمراء نحو سنة وانتصر لي الشيخ نصر الدين القاني وشيخ الإسلام الحنبلي والشيخ شهاب الدين بن الحلبي كل ذلك وأنا لا اشعر فأرسل لي شخص من المحبين بالجامع الأزهر واخبرني الخبر فأرسلت نسختي التي عليها خطوط العلماء فنظروا فيها لم يجدوا فيها شيئا مما دس هؤلاء الحسدة ) لطائف المنن ج 2 ص 190
.
بل إن ابن تيمية نفسه يعترف بالدس على السيدة رابعة العدوية حيث يقول: (وأما ما ذكر عن رابعة عن قولها عن البيت الحرام انه الصنم المعبود في الأرض كذب على رابعة المؤمنة التقية) ، وذلك في كتاب مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية ج 1ص 80
وهذه الفترة مابين القرن الخامس الهجري وحتى القرن العاشر تحرفت الكثير من علوم التصوف ودخلت فيه من العلوم الأخرى ما شوهته وأكثرت من أعداءه ولكن هيهات هيهات أن يستطيعوا أن يغيروا هذا العلم ففي كل زمن يهيئ الله لهذا العلم من يجدده ويذود عنه ويدافع عنه
.
وقال شيخ الإسلام السيد أبو الهدى الصيادي في كتاب مراحل السالكين : ( فكتب الشيخ كثُرت فيها الدسائس من قِبَلِ ذوي الزيغ والبهتان وعصائب الشيطان ، وقد نسبوا للشيخ ما لا يصح عقلاً ولا شرعاً ولا ينطبق على حكمة نظرية ولا يوافق صحاح القواعد العرفانية . والحق يُقال : الذي عليه أهل الورع من علماء الدين أنه لا يحكم على ابن عربي بشيء من هذا الإفتراء ، ولكنا نحكم على مثل هذا الكلام ( أي القول بالوحدة والحلول ) بأنه كفر . إنتهى كلام الصيادي .
.
قال الشيخ أبو الهدى الصيادي ما نصّه ( مراحل السالكين ص 61 - 69 ) : "والكثير من هذه الفرقة قام قائمهم وقعد قاعدهم منهمكا بمطالعة كتب الشيخ محي الدين بن عربي طاب مرقده، ولا بدع فكتب الشيخ كثرت فيها الدسائس من قبل ذوي الزيغ والبهتان، وعصائب الشيطان، وهذا الذي يطيب القول به لمن يريد براءة الذمّة من القطع بما لم يعلم والله تعالى قال: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(الاسراء)، وقد نسبوا أعني الدساسين للشيخ ما لا يصح لا عقلا ولا شرعا، ولا ينطبق على حكمة نظرية، ولا يوافق صحاح القواعد العرفانية" أ.هـ.
.
ثم قال بعد كلام ما نصه ( مراحل السالكين ص 69 ) : "والحق يقال: الذي عليه أهل الورع من علماء الدين أنه لا يحكم على ابن عربي رحمه الله نفسه بشيء لأنا لسنا على يقين من صدور مثل هذه الكلمات منه، ولا من استمراره عليه إلى وفاته، ولكنا نحكم على مثل هذا الكلام بأنه كفر" أ.هـ.
.
وقال صاحب "المعروضات المزبورة" أحد الفقهاء الحنفية المشهورين: "تيقنا أن اليهود دسوا عليه في فصوص الحكم" أ.هـ.
.
ومما في "الفتوحات المكية" مما لا يصدّق عليه ما نقله بعض أهل عصرنا وهو محمد الهاشمي التلمساني نزيل دمشق في رسالة ألفها عن "الفتوحات المكية": "كل كلام في العالم كلامه القول كله حَسَن فما وافق الغرض فهو أحسن" أ.هـ.
.
وقد حضرتُ مجلس الشيخ الولي أحمد الحارون الدمشقي رحمه الله وكان معروفا في بلده دمشق بالكشف فسألته أن الشيخ محمدا الهاشمي ألّفَ رسالة ذكر فيها نقلا عن كتاب الشيخ محيي الدين بن عربي في "الفتوحات المكية" هذه العبارة المذكورة فقال الشيخ أحمد: "هذا الشيخ ما له حق في أن يذكر هذا، الفتوحات المكية فيها دس كثير" أ.هـ.
.
أما من أثنى على الشيخ محي الدين من العلماء ومدح مؤلفاته فعدد كبير ، منهم الفيروزبادي فكان يقول : لم يبلغنا عن أحد من القوم أنه بلغ في علم الشريعة والحقيقة ما بلغ الشيخ محي الدين أبداً وكان يعتقده غاية الإعتقاد وينكر على من أنكر عليه ويقول لم تزل الناس منكبين على الإعتقاد في الشيخ وعلى كتابة مؤلفاته بحل الذهب في حياته وبعد وفاته إلى أن أراد الله ما أراد من حصول الدس عليه . ثم يقول : والذي أقوله وأتحققه وأدين الله به أن الشيخ محي الدين كان شيخ الطريقة حالاً وعلما وإمام التحقيق حقيقة ورسما ومُحيّ علوم العارفين فِعلاً واِسماً ، إذا تغلغل فكر المرء في طرف من مجده غرقت فيه خواطره لأنه بحر لا تكدره الدِلاء ، وسَحابٌ لا يتقاصى عنه الأنواء ، كانت دعواته تخرق السبع الطباق ، وتُغترف بركاته فتملأ الآفاق ، وهو يقيناً فوق ما وصفتُه .
.
يقول الإمام الأزدي رحمه الله في رسالته ما صورته
( ورأيت بدمشق الشيخ العارف محي الدين بن عربي و كان من أكبر علماء الطريق )
ويقول الإمام العلامة الشيرازي رضي الله عنه في كتابه ( الإغتباط بمعالجة ابن الخياط ) الذي ألفه بسبب سؤال سئل فيه عن الإمام ابن عربي
( هو عباب لا تكدره الدلاء و سحاب تتقاصر عنه الأنواء كانت دعواته تخترق السبع الطباق و تفترق بركاته فتملأ الآفاق و إني أصفه وهو يقيناً فوق ما وصفته و ناطق بما كتبته و غالب ظني أني ما أنصفته .... حتى قال : و أما كتبه و مصنفاته رضي الله عنه فالبحار الزواخر التي جواهرها وكثرتها لا يعرف لها أول ولا آخر ما وضع الواضعون مثلها و إنما خص الله سبحانه بمعرفة قدرها اهلها.
.
و من خواص كتبه رضي الله عنه : أن من واظب على مطالعتها و النظر فيها و تأمل بما في مبانيها انشرح صدره لحل المشكلات ... ) إلى آخر هذا الكلام المبارك
ثم يقول الإمام الشيرازي رضي الله عنه : ( و ثم طائفة في الغيّ حائفة يعظمون عليه النكير , و ربما بلغ بهم الجهل إلى حد التكفير و ما ذاك إلا لقصور أفهامهم عن إدراك مقاصد أقواله و أفعاله و معانيها و لم تصل أيديهم إلى اقتطاف مجانيها ) انتهى
و غير ذلك كثير في شهادات العلماء للشيخ
و يقول العلامة الشيخ الذهبي حافظ الشام - و هو من أشد المنكرين على الصوفية - : ما أظن المحييّ يتعمد الكذب أصلاً
و هذه الكلمة من الذهبي رحمه الله تلجم كل سلفي يتكلم عن الإمام رحمه الله
و من ذب عنه الإمام السيوطي حيث قال في النظر في كتبه : و القول الفصل اعتقاد و لايته وترك النظر في كتبه ...... حتى قال : و ذلك لأن الصوفية تواطؤوا على ألفاظ اصطلحوا عليها وأرادوا معاني غير المعاني المتعارف منها فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين اهل العلم الظاهر أنكر عليهم
يقول محقق هذا الكتاب : و أما ما ورد من طعن سلطان العلماء العز بن عبد السلام فيه فهو خبر لا صحة له افتراه المنكرون على ابن عبد السلام
وأما تعرض ابن تيمية له و إنكاره عليه فهو مشرب كدر رد عليه فيه جماعة من جهابذة الإسلام منهم تقي الدين السبكي و العلامة ابن حجر و الإمام الشعراني وغيرهم
هذا وهناك الكثير الكثير من أقوال العلماء فالذب عن الإمام رحمه الله
و من الكتب التي ترجمت للشيخ : مسالك الأبصار و ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد و ذيل الروضتين و تكملة الصلة و طبقات الأولياء لابن الملقن و العقد الثمين للفاسي و غيرها الكثير
ومن العلماء الذي مدحوا الشيخ : الإمام العارف صفي الدين الأزدي و الإمام الشيرازي و المقريزي و الشيخ كمال الزملكاني و الإمام عبد الرؤوف المناوي و الإمام جلال الدين السيوطي و الشيخ عبد الغني النابلسي و غيرهم من العلماء الأخيار الذين ذبوا عن إمامنا محيي الدين ابن عربي رحمه الله )
.
ومما نسب إِلى الشيخ محي الدين رحمه الله تعالى أيضاً افتراءً عليه القولُ: بسقوط التكليف.
يقول العلامة الشعراني رحمه الله تعالى: (وقد ذكر الشيخ محي الدين أنه لا يجوز لولي قط المبادرة إِلى فعل معصية اطلع من طريق كشفه على تقديرها عليه، كما لا يجوز لمن كُشف له أن يمرض في اليوم الفلاني من رمضان، أن يبادر للفطر في ذلك اليوم، بل يجب عليه الصبر حتى يتلبس بالمرض، لأن الله تعالى ما شرع الفطر إِلا مع التلَبُّس بالمرض أو غيره من الأعذار، قال: وهذا مذهبنا ومذهب المحققين من أهل الله عز وجل) [مجلة العشيرة المحمدية عدد محرم 1381 ص21].
ومما دُسَّ على العارف الكبير الشيخ إِبراهيم الدسوقي رحمه الله تعالى قوله: (أذن لي ربي أن أتكلم وأقول أنا الله، فقال لي: قل: أنا الله ولا تبالِ) وفي هذا من الشناعة والاجتراء، ما يغني عن الإِطالة [مجلة العشيرة المحمدية عدد محرم 1381 ص23].
ومما دُسَّ على رابعة العدوية رحمها الله تعالى، قولها عن الكعبة: [هذا الصنم المعبود في الأرض] [وقد عمد بعض المغرضين الدساسين إِلى تقصي جميع النصوص المدسوسة والمكذوبة على الصوفية ليتخذها ذريعة في حملته المغرضة، وتهجمه الشنيع على الصوفية بأسلوب مقذع وعبارات منحطة بعيدة عن أخلاق الإِسلام وصفات المؤمنين لا يدفعه إِلى ذلك إِلا حقد دفين وهوى نفسي ومآرب شخصية]. وهذا ابن تيمية نفسه يُكذِّب نسبة هذا القول إِليها ويبين أنه مدسوس ومكذوب عليها، فقد قال حين سئل عن ذلك: (وأما ما ذكر عن رابعة من قولها عن البيت: إِنه الصنم المعبود في الأرض، فهو كذب على رابعة المؤمنة التقية، ولو قال هذا من قال لكان كافراً يستتاب، فإِن تاب وإِلا قتل، وهو كذب. فإِن البيت لا يعبده المسلمون ؛ ولكنهم يعبدون رب البيت بالطواف به والصلاة إِليه) ["مجموعة الرسائل والمسائل" لابن تيمية ج1 ص80ـ81].
.
ولو ذهبنا نستقصي ألوان التزييف في التاريخ الإِسلامي والتصوف لما وَسِعْتَنا هذه الرسالة، إِذ التصوف كان نصيبه من الدس والافتراء أعظم من غيره، لأن المزيفين أدركوا أن التصوف هو روح الإِسلام، وأن الصوفية هم قوته النافذة الضخمة وشعلته الوضاءة المشرقة، فأرادوا أن يطفئوا هذا النور. قال تعالى: {يُريدونَ لِيُطْفِئوا نورَ اللهِ بأفواهِهِم واللهُ مُتِمُّ نورِهِ ولو كَرِهَ الكافرونَ} [الصف: 8].وإِننا لا ننسى أن الذي ساعد على الدس والتضليل والافتراء عدم الطباعة الفنية والمراقبة الشديدة في الماضي، كما هي عليه اليوم في عصرنا الحاضر من الطبع المنظم، ومن العقوبات القانونية لمن يتجرأ على طبع شيء من الكتب بغير إِذن مؤلفها، بخلاف عصر النسْخ للكتب الخطية، فقد كان الدساسون والكذابون يروجون كتباً فيها ما فيها من الدجل والكذب ما الله به عليم، ويُدخلون على كتب العلماء وخصوصاً الصوفية الدسائس والأباطيل.
ولكن الله تعالى ـ وله الحمد ـ قيَّضَ لهذا الدين رجالاً سهروا على تنقية الكتب الإِسلامية، وبيَّنوا المدسوس فيها من الصحيح.
.
لقد دسوا على الشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله تعالى، قال الشعراني: (كان رضي الله عنه متقيداً بالكتاب والسنة، ويقول: كل مَنْ رمى ميزان الشريعة من يده لحظة هلك.. إِلى أن قال: وهذا اعتقاد الجماعة إِلى قيام الساعة، وجميع ما لم يفهمه الناس من كلامه إِنما هو لِعُلِّو مراقيه، وجميع ما عارض من كلامه ظاهر الشريعة وما عليه الجمهور فهو مدسوس عليه، كما أخبرني بذلك سيدي أبو طاهر المغربي نزيل مكة المشرفة، ثم أخرج لي نسخة الفتوحات التي قابلها على نسخة الشيخ التي بخطه في مدينة قونيه، فلم أر فيها شيئاً مما كنت توقفت فيه وحذفته حين اختصرت الفتوحات.. ثم قال الشعراني رحمه الله تعالى: إِذا علمت ذلك، فيحتمل أن الحسدة دسوا على الشيخ في كتبه، كما دسوا في كتبي أنا، فإِنه أمر قد شاهدته عن أهل عصري في حقي، فالله يغفر لنا ولهم آمين) ["اليواقيت والجواهر" للشعراني ج1 ص9].
ذكر الفقيه الحنفي صاحب الدر المختار أن: (من قال عن فصوص الحكم للشيخ محي الدين بن عربي، إِنه خارج عن الشريعة، وقد صنفه للإِضلال، ومَنْ طالعه ملحد، ماذا يلزمه ؟ أجاب: نعم، فيه كلمات تباين الشريعة، وتكلف بعض المتصلِّفين لإِرجاعها إِلى الشرع، لكن الذي تيقنْتُه أن بعض اليهود افتراها على الشيخ قدس الله سره، فيجب الاحتياط بترك مطالعة تلك الكلمات. قال العلامة ابن عابدين رحمه الله تعالى في حاشيته على الدر المختار عند قوله: [ لكن الذي تيقنْتُه ]: وذلك بدليلٍ ثبت عنده، أو لسببِ عدمِ اطلاعه على مراد الشيخ فيها، وأنه لا يمكن تأويلها، فتعيَّن عنده أنها مفتراة عليه، كما وقع للشيخ الشعراني أنه افترى عليه بعض الحساد في بعض كتبه أشياء مكفرة، وأشاعها عنه، حتى اجتمع بعلماء عصره، فأخرج لهم مسودة كتابه التي عليها خطوط العلماء فإِذا هي خالية عما افْتُرِيَ عليه. وقال ابن عابدين أيضاً عند قوله: [فيجب الاحتياط]: لأنه إِن ثبت افتراؤها فالأمر ظاهر، وإِلا فلا يفهم كلُّ أحد مرادَه فيها، فيُخشى على الناظر فيها من الإِنكار عليه، أو فهم خلاف المراد) [حاشية ابن عابدين ج3. ص303، وصاحب الدر المختار الشيخ محمد علاء الدين الحصكفي المتوفى سنة 1088هـ].
ومن المدسوس على الشيخ محي الدين رحمه الله تعالى أيضاً: القول بأن أهل النار يتلذذون بدخولهم النار، وأنهم لو أخرجوا منها، تعذبوا بذلك الخروج.
قال الشعراني رحمه الله تعالى: (وإِن وُجد نحو ذلك في شيء من كتبه فهو مدسوس عليه، فإِني مررت على كتاب الفتوحات المكية جميعه فرأيته مشحوناً بالكلام على عذاب أهل النار) ["الكبريت الأحمر" ص276 طبعة 1277. كذا في مجلة العشيرة المحمدية عدد محرم 1381 ص21].
وقال أيضاً: (كذب مَنْ دسَّ في كتاب الفصوص والفتوحات، أن الشيخ محي الدين بن عربي قال بأن أهل النار يتلذذون بالنار، وأنهم لو أُخرجوا منها لاستغاثوا، وطلبوا الرجوع إِليها، كما رأيت ذلك في هذين الكتابين. وقد حذفت ذلك من الفتوحات حال اختصاري لها. حتى ورد عن الشيخ شمس الدين الشريف، بأنهم دسوا على الشيخ في كتبه كثيراً من العقائد الزائغة التي نقلت عن غير الشيخ، فإِن الشيخ مِنْ كُمَّل العارفين بإِجماع أهل الطريق، وكان جليس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدوام، فكيف يتكلم بما يهدم شيئاً من أركان شريعته، ويساوي بين دينه وبين جميع الأديان الباطلة، ويجعل أهل الدارين سواء ؟! هذا لا يعتقده في الشيخ إِلا من عزلَ عنه عقله. فإِياك يا أخي أن تصدق، من يضيف شيئاً من العقائد الزائغة إِلى الشيخ، واحمِ سمعك وبصرك وقلبك، وقد نصحتُك والسلام.
وقد رأيت في عقائد الشيخ محي الدين الواسطي ما نصه: ونعتقد أن أهل الجنة والنار مخلدون في دارَيْهِما، لا يخرج أحد منهم من داره أبد الآبدين ودهر الداهرين.. قال: ومرادنا بأهل النار الذين هم أهلها من الكفار والمشركين والمنافقين والمعطِّلين، لا عصاة الموحدين فإِنهم يخرجون من النار بالنصوص) ["اليواقيت والجواهر" للشعراني ج2. ص205].
.
ومن المعروف لكل طالب علم، أن كثيرا من الدس قد وقع في الكتب الدينية ومنها كتب الصوفية، وقد جاء الدس على الصوفية وفي كتبهم من عدة جهات:
.
1- الدخلاء المفترون الذين تظاهروا بالصوفية وهي منهم بريئة، ثم صاروا يؤلفون الكتب المملوءة بالضلال والزندقة والالحاد وينسبونها الى الصوفية كذبا وزورا كقولهم (قاتلهم الله):
.
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا ***** وما الرب إلا راهب في كنيسة
.
2- اليهود والنصارى الذين ارادوا إفساد الدين الاسلامي وتشويه عقائدهم فأدخلوا في كتب الصوفية الحلول والاتحاد ووحدة الوجود واسقاط التكاليف وغيرها من الترهات والأباطيل، كما وضعوا الأحاديث الكثيرة.
.
3- المبشرون والمستشرقون أمثال: (نيكلسون الإنجليزي، وجولدزيهر اليهودي، وماسينيون الفرنسي) الذين حاولوا تشويه سمعة الصوفية في كتبهم لإبعاد الناس عنهم، ولتقليل تأثيرهم خاصة بعد أن شاهدوا جهودهم الجبارة في نشر الاسلام في أفريقية وآسيا وغيرها من دول العالم، وشاهدوا بسالتهم في مقاومة الإستعمار في الجزائر وأفغانستان والشيشان وغيرها.
.
4- الحاسدون والحاقدون الذين ساءهم المقام الكريم الذي يصل اليه الصوفية من محبة الناس واحترامهم، وإفضال الله عليهم بسائر أنواع الكرامات.
.
وهنا نتسائل إذا كان هؤلاء الدخلاء واليهود والنصارى والمبشرون والمستعمرون والحاسدون يهاجمون الصوفية ويكذبون عليهم ويحاولون إبعاد الناس عنهم لأنهم شوكة في أعين أطماعهم، فما بال الوهابية الذين يسمون انفسهم "السلفية" ينجرفون وراءهم ويحذون حذوهم ؟ لا يسعنا إلا أن نقول اتقوا الله فالسلف الصالح الذين تدعون الانتساب اليهم بريئون مما تفعلون ومما تقولون. ودعونا نذكركم بما يلي:
.
يقول الله تبارك وتعالى: { أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
.
وفي الأحاديث القدسية يقول الله عزّ و جلّ « من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب » ،
«إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب» ، «من كنت خصمه خصمته» ، «من أهان لي ولياً فقد أهانني».
.
فاتقوا الله يا ايها الطاعنون في أولياء الله ، هل بلغت بكم الجرأة على الله تعالى أن تبارزونه بالحرب ؟!
.
من دخل الاسلام باليقين فلا يحق لنا ان نخرجه منه بالظن والشك والاحتمال
-----------------------------------------------------------------------------------------
إصدار موسوعة الفتوحات المكية للشيخ الاكبر محيي الدين بن العربي
خرجت موسوعة "الفتوحات المكية" للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي إلى النور بتحقيق الأخ عبد العزيز سلطان المنصوب، وتقديم الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح.
وصدرت الموسوعة عن وزارة الثقافة بالجمهورية اليمنية بمناسبة الاحتفاء بمدينة تريم عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2010م.
واعتمدت النسخة المحققة على نسخة قونية المخطوطة بقلم الشيخ الأكبر نفسه، مع الاستعانة بنسخة مكتبة السليمانية، والنسخة المطبوعة في القاهرة عام 1329هـ .
ونزلت الموسوعة في 12 مجلدا متضمنة 37 سفرا هي مجموع الكتاب ،كما أضيف إلى كل سفر فهارسه لما يلي: (الآيات القرآنية، الأحاديث النبوية وتخريجها، شعر الشيخ الأكبر، الشعر المستشهد به، المصطلحات الصوفية، أسماء الأعلام، أسماء الأماكن، الكتب المذكورة في السفر، الفرق والجماعات)
الشيء الأهم الذي تم الحرص عليه في تحقيق هذه النسخة هو العمل –بأقصى حرص ممكن- على تجنب الأخطاء التي ألصقت في كتب الشيخ الأكبر بقصد أو بغير قصد، وتم –بحمد الله وتوفيقه- تصحيح الكتاب بنسبة قياسية غير مسبوقة، وكشف حالات التزوير التي دسّت على الشيخ الأكبر.
الوحدوي نت تنشر مقدمة الموسوعة والترجمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الفتوحات المكّية
سلسلة الصفا
الفتوحات المكّيّة للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي
تحقيق عبد العزيز سلطان المنصوب
الطبعة الأولى
1431 هـ – 2010م
حقوق الطبع محفوظة
تحقّق هذا العمل المبارك بمشاركة هامّة من عدد من الإخوة المهتمّين والمحبّين، وهذه اللوحة تضمّ أسماء ذوي الجهود المفصليّة والمتميّزة في الإنجاز، وهم: توفير المخطوطات
أ.د/ محمد أبو بكر المفلحي الشيخ الدكتور/ محمد عبد الرب النظاري
المراجعة والمقابلة والفهرسة
أ/ أحمد سعيد ناصر م/ محمود سلطان طاهر المنصوب
الدعم الفني والتقني
م. د/ سامي عبد العزيز المنصوب م/ عمر عبد العزيز المنصوب
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة
ثمانية قرون هجرية مرّت منذ بدأ الشيخ الأكبر إعادة صياغة كتابه "الفتوحات المكيّة" وواظب عليه بهمّة الحكماء، الداعين إلى الحق على بصيرة، ولم يسمح لشيخوخته أن تعتذر عن كتابة آلاف الصفحات بخطّ يده في وقت كان تحت أمره المئات من الفقهاء والقضاة والأدباء والكتّاب الذين سيعتبرون طَلَبَهُ منهم بالنقل بدلا عنه شرفا لهم وأيّ شرف..
وإنه لأمر طيّب أن تبرز النسخة المطبوعة الأولى من هذا الكتاب الموسوعة والتي انتشرت في أجزاء المعمورة في عام 1329ه بعد سبعة قرون بالتمام من انتهاء الشيخ الأكبر من تأليفه في مسودّته الأولى عام 629 هـ. ثم تظهر بعد ذلك هذه النسخة المحقّقة والمتكاملة التي بين أيدينا الآن بعد ثمانية قرون بالتمام من الشروع في تنقيح هذه الموسوعة التي بدأها الشيخ عام 632 هـ ، ومستنِدةً بالكامل على هذه النسخة الثانية المنقّحة.. ويتمّ هذا في يوم ذكرى المولد النبويّ الشريف؛ فهذا الأمر يدلّ على تقدير إلهيّ عظيم.
فهي إذن خير هديّة نقدّمها بين يدي شيخنا الجليل –قدّس الله سرّه- للبشريّة التي أحبّها وكتب لها، ولمحبّيه في الشرق والغرب أولئك الذين حافظوا على خصوصيّة شيخهم الأكبر حتى في لقبه؛ فلم يمنحوه لغيره طيلة هذه القرون.. ولم يحاول أيّ منهم انتزاعه منه أو مشاركته فيه.. وأنّى لمن يفعل ذلك.. فلن يجد أمامه أذنا تصغي إليه، أو لسانا تدعوه به..
.
فرضي الله عن سيدي الشيخ محيّ الدين ابن عربي ، المتمكن في مقام المحافظة على آداب الشريعة ، ونفعنا الله بعلومه وأنواره إنه خير مسؤول
والحمد لله رب العالمين
اللهم صل وسلم علي سيدنا محمد وعلي آل بيته الطيبين الطاهرين